فصل: تفسير الآية رقم (148):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال تاج الدين السبكى في ترجمة أحمد بن الحسن الجاربردي ما نصه:

الشيخ الإمام فخر الدين نزيل تبريز كان فاضلا دينا متفننا مواظبا على الشغل بالعلم وإفادة الطلبة شرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه وتصريف ابن الحاجب وقطعة من الحاوي وله على الكشاف حواش مشهورة وقد أقرأه مرات عديدة بلغنا أنه اجتمع بالقاضي ناصر الدين البيضاوي وأخذ عنه توفي بتبريز في شهر رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة.
أنشدونا عنه:
عجبا لقوم ظالمين تستروا ** بالعدل ما فيهم لعمري معرفه

قد جاءهم من حيث لا يدرونه ** تعطيل ذات الله مع نفي الصفه

وهذان البيتان عارض بهما الزمخشري في قوله:
لجماعة سموا هواهم سنة ** وجماعة حمر لعمري مؤكفه

قد شبهوه بخلقه وتخوفوا ** شنع الورى فتستروا بالبلكفه

وقد عاب أهل السنة بيتي الزمخشري وأكثروا القول في معارضتهما ومن أحسن ما سمعته في معارضتهما ما أنشدناه شيخنا أبو حيان النحوي في كتابه عن العلامة أبي جعفر بن الزبير بغرناطة إجازة لم يكن سماعا أنشدنا القاضي الأديب أبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني بقراءتي عليه عن أخيه أبي بكر من نظمه ثم رأيتها في كتاب أبي علي عمر بن محمد بن خليل المسمى ب التمييز لما أودعه الزمخشري في كتابه من الاعتزال في الكتاب العزيز وقال أجابه عم والدي وهو يحيى بن أحمد الملقب بخليل بهذه القصيدة ولوالدي فيها تكميل ولي فيها تتميم وتذييل:
شبهت جهلا صدر أمة أحمد ** وذوي البصائر بالحمير المؤكفه

وزعمت أن قد شبهوا معبودهم ** وتخوفوا فتستروا بالبلكفه

ورميتهم عن نبعة سويتها ** رمي الوليد غدا يمزق مصحفه

نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى ** فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفه

وجب الخسار عليك فانظر منصفا ** في آية الأعراف فهي المنصفه

أترى الكليم أتى بجهل ما أتى ** وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه

خلق الحجاب فمن وراء حجابه ** سمع الكليم كلامه إذ شرفه

خلق الحجاب بخلقه سبحانه ** فتشوفته الأنفس المستشرفه

من لا يرى قل كيف يحجب خلقه ** نهنه نهى أشياخك المتكلفه

المنع من إدراكه معنى به ** حجب النواظر يا أصبيع زعنفه

والمنع مختص بدار بعدها ** لك لا أبا لك موعد لن تخلفه

ملك يهدد بالحجاب عباده ** أترى محالا أن يرى بالزخرفه

وبآية الأعراف ويك خذلتم ** فوقعتم دون المراقي المزلفه

لو كان كالمعلوم عندك لا يرى ** ذهب التمدح في هنات السفسفه

عطلت أو أيست يا مغرور إذ ** ضاهيت في الإلحاد أهل الفلسفه

إن الوجوه إليه ناظرة بذا ** جاء الكتاب فقلتم هذا سفه

لو صح في الإسلام عقدك لم تقل ** بالمذهب المهجور في نفي الصفه

ولما نسبت إلى النبوة زلة ** في ص والتحريم فاسمع مصرفه

أو ما علمت بأن من آل فقد ** ترك المباح وكف عنه مصرفه

لا أنه جعل الحلال محرما ** شرعا فعصمته أبت أن يقرفه

فجهلت هذا وانصرفت لظلمة ** أعمت عليك من الطريق تعرفه

لم تعرف الفقه الجلي فيكف بالتوحيد ** في تدقيقه أن تعرفه

قلت أظن من قوله ولما نسبت إلى النبوة زلة ** إلى آخرها تتميم أبي علي عمر بن خليل

وقد أكثر الناس في معارضة الزمخشري وهذه الأبيات من أجمع ما قيل.
وقال بعضهم:
الله يعلم والعلوم كثيرة ** أي الفريقين اهتدى بالمعرفه

ولسوف يعلم كل عبد ما جنى ** يوم الحساب إذا وقفنا موقفه

فاذكر بخير أمة لم تعتقد ** إلا الثناء عليه ذاتا أو صفه

ودع المراء ولا تطع فيه الهوى ** فالحق في أيدي الرجال المنصفه

وقال آخر:
وجماعة كفروا برؤية ربهم ** هذا ووعد الله ما لن يخلفه

وتلقبوا عدلية قلنا أجل ** عدلوا بربهم فحسبهم سفه

وتلقبوا الناجين كلا إنهم ** إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه

وقال آخر:
لجماعة كفروا برؤية ربهم ** ولقائه حمر لعمرك موكفه

فكفاهم علموا بلا كيف فنحن ** نرى فلم ننعتهم بالبلكفه

هم عطلوه عن الصفات وعطلوا ** منه الفعال فيالها من منكفه

هم نازعوه الخلق حتى أشركوا ** بالله زمرة حاكة وأساكفه

هم غلقوا أبواب رحمته التي ** هي لا تزال على المعاصي موقفه

ولهم قواعد في العقائد رذلة ** ومذاهب مجهولة مستنكفه

يبكي كتاب الله من تأويلهم ** بدموعه المنهلة المستوكفه

وقلت أنا واقتصرت على بيتين:
لجماعة جاروا وقالوا إنهم ** للعدل أهل ما لهم من معرفه

لم يعرفوا الرحمن بل جهلوا ومن ** ذا أعرضوا للجهل عن لمح الصفه

وقال آخر:
لجماعة رأوا الجماعة سبة ** عمياء تاهوا في المعامي المتلفه

والسنة الغراء أضحت عندهم ** مردودة مهجورة مستنكفه

عميت بصائرهم كما أبصارهم ** عن رؤية فاستهزءوا بالبلكفه

نفوا الصفات عن الإله وأثبتوا ** ذاتا معطلة تعرت عن صفه

فتعينت ذات الإله لديهم ** أن لا تكون أو أن تكون مكيفه

هم فرقة زعموا الجماعة فرقة ** هذا لعمري بدعة مستأنفه

قد حاولوا نكرا لجهل فيهم ** عن غير علم منهم والمعرفه

أنى لهم علم بهذا إنهم ** حمر لدى أهل الحقائق مؤكفه

برهانه لا شك لولا أنهم ** حمر لكان لهم عقول منصفه

شهواتهم غلبت عقولهم لذا ** أبدا ترى أقوالهم مستضعفه

فتجمعت آراؤهم في غيهم ** وتفرقت عن رشدهم متحرفه

هم أمة تركوا الهداية وامتطوا ** طرق الضلالة والهوى متعسفه

ركبوا بحار عماية وغواية ** غرقت مراكبهم بريح معصفه

هم زمرة هامت بهم أهواؤهم ** كالهيم في الأرض الفلاة مخلفه

عزة أذلهم الإله بعزة ** ثبة ذووا جبورة متغطرفه

لعصابة لعبت بهم أهواؤهم ** عمي تناهت في العمى متلهفه

فئة لقد جحدوا برؤية ربهم ** وأتوا بأقوال ترد مزيفه

هم عصبة قد حكموا آراءهم ** في الدين تلقاها غدت متصرفه

هم حرفوا كلم الكتاب وبدلوا المعنى ** فجاء حروفهن محرفه

هم صحفوا القرآن في تأويله ** فلذا مصاحفهم تكون مصحفه

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم ** جعلوا أحاديث النبي مضعفه

ملأوا صحائفهم بكل قبيحة ** من بدعة شنعاء غير مؤلفه

أقولهم ألفاظ زور مالها ** معنى وصوت كالطبول مجوفه

الله خالق كل شيء وحده ** سبحانه وبه العباد مكلفه

خير وشر ليس يخلق غيره ** إياهما هذي طريق مزلفه

لقد اعتزلتم أمة سنية ** فخفيتم يا أمة متخوفه

ولقد زعمتم أنكم شركاؤه ** والخالقية لا تزال منصفه

فكفرتم بالله ثم نبيه ** فقلوبكم عن دينه متخلفه

فلذا افتضحتم في الأنام فأصبحت ** عوراتكم بين الورى متكشفه

وأبيتم إلا متابعة الهوى ** وأتيم بدلائل المتفلسفه

ولكم عقائد بالهوى معقودة ** والكفر من أهل الهوى متلقفه

وبنيتم دارا على مستنقع ** وجعلتموها بالقذاة مسقفه

ما عندكم إلا البلادة والقماءة ** والسفاهة والخنا والعجرفه

جهلتم موسى كما كذبتم ** خبر الرسول أتت به المستخلفه

أنكرتم للأولياء كر امة ** عمتهم خصت بها المتصرفه

لله أحباب تكون مصونة ** عما سواه بالجمال مكنفه

وهم ضنائن ربهم وعليهم ** بجلاله أرخى ستورا مسجفه

أخفاهم بالنور ثم خفاهم ** ووجوههم بحلى السنا متلففه

هم جفة حفت بكل جميلة ** من ربهم وبما يقرب متحفه

ملأ لقد ملأ الإله صدورهم ** نورا فكانت بالضياء مزخرفه

نصحت جيوبهم كما أذيالهم ** أضحت بأمواه الصفاء منظفه

لهم عقائد في القلوب صحيحة ** ونفوسهم ملكية متعففه

ولهم خلائق بالندى مجبولة ** وعلى الخلائق بالهدى متعطفه

ولهم قلوب بالرضا معمورة ** ولهم مكارم بالحوائج مسعفه

أجسامهم عما يشين نقية ** ونفوسهم عما يذيم مكفكفه

ما استعبدتهم شهوة تدعو إلى الصفراء ** والبيضاء لا والزخرفه

كفوا الأكف عن السؤال ولم ترى ** سألة ممدودة متكففه

ما شأنهم شرب المدامة لا ولا ** أكل الحرام ولا غرام مهفهفه

منعوا النفوس عن الحظوظ فطاوعت ** وتحرجت عن نيلها متوقفه

كلفت نفوسهم بما أمرت به ** ألفته حبا فيه لا متكلفه

متطلب رتب الكمال ذواتهم ** وصفاهم تعنو لها متلطفه

ولهم وظائف من عبادة ربهم ** أضنوا بها أبدانهم كالأوظفه

سهرت عيونهم إذا نام الورى ** في فرشهم طول الليالي المسدفه

أقدامهم تحت الدجا مصطفة ** وقدودهم كأهلة محقوقفه

هجروا الوسائد والموائد والهنا ** قوم بأنواع النعيم مسرعفه

تركوا الفضول وقد رضوا بكفافهم ** أنعم بهم من حوزة متقشفه

صقلوا مراياهم بمصقلة التقى ** فصفت وصارت للولاية مألفه

أتت الولاية وهي خاطبة لهم ** مرتاحة مشغوفة مستعطفه

فلهم من الله الكريم كرامة ** وقلوبهم لقبولها مستهدفه

أبدانهم طافت بكعبة ربهم ** ونفوسهم بجنابه متطوفه

أرواحهم بسعادة مقرونة ** بدوامها مسرورة متألفه

أتنم عبيد بطونكم وفروجكم ** ونفوسكم في كل شر مسرفه

ما تعرفون سوى القدور وهمكم ** أن تغرفوا منها الطعام بمغرفه

فمتى نهضتم للولاية يا بني اللحم ** السمين ويا أسارى الأرغفه

أرواحكم مسحورة وعقولكم ** مسلوبة أبصاركم متخطفه

وركبتم متن الغواية ثم قد ** قفيتموها بالضلالة مردفه

جرتم وقلتم إنكم عدلية ** لا والذي جعل القلوب مصرفه

زلت بكم أقدامكم بمزلة ** تهوي إلى درك الشفا متزحلفه

صدئت مراياكم فأنى تجتلى ** فيها عرائس بالجمال مشرفه

ومتى تكون لكم ولاية ربكم ** وقلوبكم عن طرقها محرورفه

ولنا بحمد الله ثم بفضله ** كتب على الحق الصريح مصنفه

قد كانت الحسنى لنا وزيادة ** وتقر أعيننا بها المتشوفه

أنا نرى يوم القيامة ربنا ** مستشرقين على قصور مشرفه

سنراه جهرا لا حجاب وراءنا ** في جنة للمؤمنين معرفه

أسماعنا لكلامه أبصارنا ** لجماله مشتقاة متشوفه

إنا نرى لا في جهات وجهه ** إنا لنسمع قوله لا من شفه

رغما لأنفكم نراه ظاهرا ** كالشمس حقا بالعيون المترفه

آذاننا بكلامه كعيوننا ** ترنو إليه في الجنان مشنفه

جاء الكتاب بها وجاءت سنة ** من ربنا ومن النبي معرفه

ثقلت موازين لنا إذ أصبحت ** أعمالكم يوم الحساب مخففه

من لا يريد لقاءه فهو الذي ** في النار يخلد مثل أهل الفلسفه

ويذاد عن حوض يروينا إذا ** وردوا القيامة والشفاه مجففه

وتعل من عين الحياة نفوسنا ** وشفاهنا تغدو لنا مترشفه

تلقى أئمتهم وأمتهم غدا ** تلقى طوائف في الجحيم مكتفه

فتراهم يوم اللقا وقلوبهم ** محجوبة عن ربها متأسفه

قد جادلونا باللسان فجدلوا ** بالبيض والسمر القناة مثقفه

حتى تقصفت الصفاح وأصبحت ** أرماحنا من طعنهم متقصفه

فعلى عيونهم سهام فوقت ** وعلى رقابهم سيوف مرهفه

صلى الإله على محمد الذي ** أبدى لنا طرق الهدى والمخرفه

وعلى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.تفسير الآية رقم (148):

قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذلك كله مما يتعجب الموفق من ارتكابه، أعقبه تعالى مبينًا ومصورًا ومحققًا لوقوعه ومقررًا قوله عطفًا على {فأتوا على قوم يعكفون} [الأعراف: 138] مبينًا لإسراعهم في الكفر: {واتخذ} أي بغاية الرغبة {قوم موسى} أي باتخاذ السامري ورضاهم، ولم يعتبروا شيئًا مما أتاهم به من تلك الآيات التي لم ير مثلها {من بعده} أي بعد إبطائه عنهم بالعشرة الأيام التي أتممنا بها الأربعين {من حليهم} أي التي كانت معهم من مالهم ومما استعاروه من القبط {عجلًا} ولما كان العجل اسمًا لولد البقر، بين أنه إنما يشبه صورته فقط، فقال مبدلًا منه: {جسدًا}.
ولما كان الإخبار بأنه جسد مفهمًا لأنه خال مما يشبه الناشيء عن الروح، قال: {له خوار} أي صوت كصوت البقر، والمعنى أنه لا أضل ولا أعمى من قوم كان معهم حلي أخذوه ممن كانوا يستعبدونهم ويؤذونهم وهم مع ذلك أكفر الكفرة فكان جديرًا بالبغض لكونه من آثار الظالمين الأعداء فاعتقدوا انه بالصوغ صار إلهًا وبالغوا في حبه والعبودية له وهو جسد يرونه ويلمسونه، ونبيهم الذي هداهم الله به واصطفاه لكلامه يسأل رؤية الله فلا يصل إليها.
ولما لم يكن في الكلام نص باتخاذه إلهًا، دل على ذلك بالإنكار عليهم في قوله: {ألم يروا} أي الذين اتخذوا إلهًا {أنه لا يكلمهم} أي كما كلم الله موسى عليه السلام {ولا يهديهم سبيلًا} كما هداهم الله تعالى إلى سبيل النجاة، منها سلوكهم في البحر الذي كان سببًا لإهلاك عدوهم كما كان سببًا لنجاتهم؛ قال أبو حيان: سلب عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإلهية لأن انتقاء التكليم يستلزم انتفاء العلم، وانتفاء الهداية إلى سبيل يستلزم انتفاء القدرة، وانتفاء هذين الوصفين يستلزم انتفاء باقي الأوصاف.
ولما كان هذا أمرًا عظيمًا جدًّا مستبعد الوقوع ولاسيما من قوم نبيهم بينهم ولاسيما وقد أراهم من النعم والآيات ما ملأت أنواره الآفاق، كان جديرًا بالتأكيد فقال تعالى: {اتخذوه} أي بغاية الجد والنشاط والشهوة {وكانوا} أي جلبة وطبعًا مع ما أثبت لهم من الأنوار {ظالمين} أي حالهم حال من يمشي في الظلام، أو أن المقصود أن الظلم وصف لهم لازم، فلا بدع إذا فعلوا أمثال ذلك. اهـ.